الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد المصطفى الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعـــد....
فقد أرتضى الله لخلقه الإسلام دينا ليحقق لهم سعادة الدنيا والآخرة وأرسل رسله هداة للبشر ليبلغوا عن الله دينه وكان أخرهم محمد صلى الله عليه وسلم. ولكن الشياطين أبت إلا أن تضع العراقيل والشوك في طريق دعاة الإسلام, ولقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يظل الحق والباطل في صراع أبدي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ويكتب الله الغلبة للحق ما تمسك به أصحابه ومن هنا فقد شرع الله الجهاد ليرد العدوان وليزيل الباطل وليحمي العقيدة وليحقق السلام الذي يقوم على العدل والتفاهم والصدق دون الأضرار بأحد أو الإساءة إليه ومن هنا رأينا الإسلام يسعى إلى السلام بقلب مفتوح والعقل الواعي والنية الصادقة ويرفض الاستسلام كما يرفض السلام الذي يقوم على الغدر أو الخيانة أو الخداع .
وتاريخ الجهاد الإسلامي على طول الزمان وعرضه مشرق ناصع يرد الحقوق لأصحابها ويزيل البغي والظلم اللذين ينشر هما البغاة والظالمون.
ولقد حققت المعارك الإسلامية نصراً مؤزرا على طول الزمان وعرضه ولم تر الدنيا في تاريخها معارك أشرف من معارك الإسلام ولا أسمى منها غاية, وقد خاضها رجال بواسل كانوا بحق جند الله أو كانوا رهبان الليل وفرسان النهار فملئوا الدنيا عدلا ونورا وحققوا ألوهية الله في الأرض كما هي محققة في السماء, ونشروا العدل والمساواة في ربوع الأرض فعم نور الله الكون وتحقق لهم قول ربهم, (( وأن جندنا لهم الغالبون )) وكان ذلك بعوامل النصر التي خطها لهم ربهم في قرآنه ونفذها رسول الله وخلفاؤه وأصحابه من بعده وصدق وعد الله لهم في ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما أستخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ), فكانوا خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله فهل آن لهذه الأمة أن تعود إلى النبع الصافي الذي شرب منه آباؤها الأولون فعزوا وسادوا وكانوا إذا تكلموا أنصتت لهم الدنيا لتسمع مقالتهم ولتكن طوع أرادتهم ورهن إشارتهم, وما أحوجنا اليوم لأن نعيد أمجاد ماضينا لنمحو عارا علق بجباهنا في دنيا كشرت لنا عن أنيابها وقد شحذ أعداؤنا سكينا يريدون أن يجهزوا علينا بها وكان ذلك بما اكتسبت أيدينا عملا بقول الله تعالى ( ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ).
وتحقيقا لنبوة رسولنا صلى الله عليه وسلم ( وما نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فيأخذ بعض ما في أيديهم ) .
وتحقيقا لنبؤة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ( وما نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا م غيرهم فيأخذ بعض ما في أيديهم ).
فهيا يا أخوة الإسلام ننفض اليوم غبار النوم عنا لنحقق العزة التي أرادها الله لنا في قوله : ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) ومن نذكر بتلك الأسباب لعل قومنا يتقون ويعودون إلى الله فيحسنوا العمل ( فأن الذكرى تنفع المؤمنين ) ( أن الله مع الذين أتقوا والذين هم محسنون )
وهم حسبنا ونعم الوكيل
,لآن إلى عوامل النصر في المعارك الإسلامية فما هي يا ترى ؟ ,,
الشيخ
عبد الظاهر عبد الله علي
عوامل النصر في الإسلام :-
لقد خاض الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه والأجيال المسلمة من بعده معارك شتى بدءا من يوم الفرقان في بدر واستمرار في خيبر وفتح مكة وتبوك وامتداد إلى اليرموك والقادسية وفتح بيت المقدس ومصر وبلاد الأندلس إلى عين جالوت وحطين ونهاية بالعاشر من رمضان , وكان انتصارهم في كل معركة يرجع إلى عنصرين أثنين :-
العنصر الأول : -
هو تأييد الله تعالى لجنده بنصره المبين تحقيقا لقوله سبحانه وتعالى : ( وأن جندنا لهم الغالبون ) وتأكيدا للشرط والجواب في قوله عز وجل ( يا أيها الذين أمنوا أن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) ولانهم حققوا معية الله التي طلبها منهم فكان النصر الأكيد لهم كما جاء في قوله تعالى ( أن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ) وهذا عنصر لا يحتاج إلى تزكية للنفس فالله أعلم بخلقه ويعطي عباده حسبما يعلم من إيمانهم لأن ذلك وعده الذي تكرم به عنده قوله سبحانه ( أنا لننصر رسلنا والذين أمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ) .
العنصر الثاني : -
هو الأسباب العسكرية البشرية , وهذه الأسباب العسكرية تتفرع إلى :
أ – عوامل معنوية .
ب – عوامل مادية .
ج – قيادة مؤمنة .
د – حرب عادلة .
هـ - وضع أجتماعي وسياسي وديني وأقتصادي وأخلاقي مترد لدى أعدائهم من المشركين ويهود وروم وفرس .
ولنأخذ في بيان العوامل العسكرية المعنوية وهي :-
1 – الإيمان وقوة العقيدة .
2 – عوامل مادية .
3 – ذكر الله .
4 – طاعة الله ورسوله .
5 – طاعة ولي الأمر أو القائد .
6 – الاتحاد وعدم التنازع والفرقة .
7 – الصبر وتحمل المشاق .
8 – النهي عن الغرور والبطر .
وأما بيان العوامل العسكرية المادية فهي :
1 – الأعداد الجيد والتدريب الدائم للجند .
2 – الأخذ بأحدث أساليب العصر مما يستحدث .
3 – تطوير وتصنيع الصناعات الثقيلة .
وأما القيادة المؤمنة الواعية فهي ترتكز على : -
1 – عدم الأستئثار بأي خير دون الجند .
2 – عدم التعالي على أحد منهم .
3 – التشاور معهم والأخذ برأيهم أن كان صوابا .
4 – حسن الاختيار لمن يكلف بالمهام .
5 – الاجتهاد في كشف خطة العدو ( الاستطلاع الجيد ).
6 – الحذر والحيطة وكتمان الخطة .
7 – سرعة الحركة والتعجيل في أتخاذ القرار .
ولنعد إلى تفصيل وشرح هذه الأسباب السابقة فنقول والله المستعان :
العوامل المعنوية :
1 – وأولها الإيمان وتربية العقيدة :
ونلاحظ أهمية هذا العنصر في أن رسول الله قد ظل بين قومه يبلغهم دعوته قرابة خمس عشرة سنة وكان أصحابه يلاقون الذل والهوان واشكال العذاب وصنوف البلاء من أعدائهم طوال بقائهم في مكة وكانوا يتحمسون لرد العدوان الواقع عليهم ولكن القرآن لم يأذن لهم في ذلك لأنها كانت فترة تربية على العقيدة وترسيخ لمبادئ الإيمان في نفوسهم حتى إذا ما تغلغل اليقين الذي لا يخالجه شك وأطمانت نفوسهم بالإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر أذن لهم بعد ذلك بالقتال ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير , الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها أسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ) . 39 – 40 سورة الحج .
وحينما ثبت الإيمان في قلوبهم وثبتت العقيدة في صدورهم رأينا الإيمان يعمل عمله حينما ألتقوا بأعدائهم فما ثبتت للكفر قوة أمام هذا اليقين الراسخ بل صار الكفار أمامهم كالهباء المنثور ولقد كان الجيش الإسلامي لا يعتمد بكثرة العدد لانه لم ينظر إلى الكم بل كانت نظرته إلى اليقين المؤمنين به والداخلين فيه إذ كانوا يندفعون الى المعركة بدافع من إيمانهم سواء في ذلك الشباب والشيوخ والرجال والنساء لأنهم كانوا جند الله الذين تخاذلت أمامهم قوات اعدائهم فكانوا جميعاً مضرب المثل في القوة والشجاعة والاقدام وكان لواؤهم لا يسقط من يد حامله حتى يأخذه من خلفه وبهذه العقيدة وبهذا الإيمان كان كل جندي مسلم معجزة من معجزات الحرب وبهذا كان رجل منهم يحسب بألف رجل .
فحينما طلب عمرو بن العاص المدد من عمر بن الخطاب أمده باربعة آلاف رجل على كل ألف منهم رجل وكتب إلى عمرو ( إني أمددتك بأربعة آلاف رجل على كل ألف منهم رجل بمقام ألف الزبير بن عوام والمقداد بن الأسود وعبادة بن الصامت وخارجة بن حذافة ).
وأمثلة الإيمان وصمود أصحابه أمام خصومهم في المعارك الأسلامية أكثر من أن تحصى في يوم بدر وموقف أبنى عفراء اللذين كرا على أبا جهل فقتلاه بين معروف وموقف عمير بن الحمام وألقاءه التمرات التي في يده محفوظة بين العامة والخاصة .
وما فعله الإيمان بنسيبة بنت كعب أم عمارة وهي تدافع عن رسول الله ظاهر بين .
وموقف حنظله غسيل الملائكة يوم أحد وتركه عروسه حجلية بنت عبد الله بن أبي بن سلول ليلة زفافه ليقاتل في سبيل الله لهو أعظم دليل على انهم ما كانوا يعدلون بالإيمان شيء آخر .
لقد بذل المؤمنون كل شيء رخيصا في سبيل الإيمان الذي أعتنقوه , ففي بدر مثلاً ألتقى الآباء بالأبناء والأخوة بالأخوة والأهل بالأهل خالفت بينهم المبادئ ففصلت بينهم السيوف .
كان أبو بكر مع المسلمين وأبنه عبد الرحمن مع المشركين .
وكان عتبة بن ربيعة مع المشركين وأبنه حذيفة مع المسلمين .
ولما أستشار الرسول عمر في أسرى بدر فقال : أرى أن تمكنني من فلان قريب عمر فاضرب عنقه وتمكن .
وتمكن علياً من أخيه عقيل فضرب عنقه وتمكن الحمزة من فلان فضرب عنقه حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين .
وفي غزوة بن المصطلق حاول رأس النفاق عبد الله بن ابي إثارة الفتنه وعندما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن النار سوف تشب بين المهاجرين والأنصار أمر بالرحيل فورا حتى وصل الجيش إلى مشارف المدينة فطلب عبد الله بن عبد الله بن ابي من رسول الله أن يامره بقتل أبيه ولكن الرسول عفا عنه قائلا :
بل نفترق به ونحسن صحبته ما بقى معنا .
وقبيل الفتح ذهب ابى سفيان إلى أبنته ام حبيبة أم المؤمنين فطوت فراش رسول الله من تحته لانه نجس مشرك .
وموقف المؤمنين في المعارك التي خاضوها يغلب الأساطير وموقف الشهداء في أحد من أمثال مصعب بن عمير وعبد الله بن جحش وعمرو بن الجموح وموقف المؤمنين في غزوة الخندق حيثما رأوا تأليب قوى الكفر واليهودية والنفاق عليهم ولم يتبدل إيمانهم بل قالوا ما قصة القرآن علينا في قوله سبحانه ( ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما ) .
لأكبر دليل على عقيدة المسلمين بسمو اهدافهم جعلتهم يستميتون في القتال دفاعا عن تلك الأهداف مما جعلهم اكثر الناس سعيا إلى الموت فيسبيل الله وكانوا يأملون أن يكونوا من أصحاب الجنة حيث يعيشون في ظل العناية الإلهية والرعاية الربانية فرحين بما آتاهم الله من فضله .
وهذا هو ما وصفهم به المقوقس ملك مصر في خطاب له وجهه إلى هرقل الروم فقال ( والله أنهم على قلتهم وضعفهم أقوى وأشد منا على كثرتنا وقوتنا أن الرجل الواحد يعادل مائة رجل منا . ذلك لأنهم قوم الموت احب لهم من الحياة يقاتل الرجل منهم وهو مستبسل ويتمنى ان لا يرجع إلى أهله ولا إلى بلده ولا إلى داره ويرون أن لهم أجراً عظيماً فيمن قتلوا منا ويقولون أن قتلوا أدخلوا الجنة ونحن قوم نكرة الموت ونحب الحياة فكيف نستقيم نحن وهؤلاء وكيف صبرنا معهم ) هذا ما فعله الإيمان وفعلته العقيدة بقوم آمنوا بالله ورسوله وبذلوا كل شيء لله مقابل الجنة ورضوان الله ففازوا في العاجل والآجل ورضى الله عنهم ورضوا عنه ( أولئك حزب الله ألا أن حزب الله هم المفلحون ) .
2 – الثبات في المعارك :
وكيف لا يثبت من علم أن الله أشترى من نفسه وماله بأن له الجنة ؟ بل كيف يفر من علم أن الشهيد يغفر له من أول دفعة من دمه ويرى مقعده في الجنة ويحاى حلية الإيمان ويزوج من حور العين ويجار من عذاب النار وبعد أن عد رسول الاسلام من السبع الموبقات الفرار يوم الزحف .
لقد قال علي كرم الله وجهه ( لا أدري من أي يومي من الموت أفر , يوم لا يقدر أم يوم يقدر أم يوم قدر يوم لا يقدر لا لأرهبه , ويوم يقدر لا يغني الحذر) .
أقول لها وقد طارت شعاعـــــــــــــا *** من الاعداء ويحك أن تراعــــــــى
فـأنك أن طلبت بقاء يــــــــــــــــــوم *** على الأجل الذي لك لن تطـــــــاعى
فصبرا في مجال الموت صبـــــــــرا *** فما نيل الخلود بمستطـــــــــــــــــاع
وما ثوب البقاء بثوب عـــــــــــــــز *** فينغى عن اخي الخنع البراعــــــــى
سبيل الموت غاية كل حـــــــــــــــي *** فداعيه لأهل الارض داعــــــــــــــــى
ومن لم يمت يعمر فيهــــــــــــــــرم *** وتسلمه المنون إلى خــــــــــــــــــداع
لقد كان الجند المسلمون يرون في الإقدام على الأستشهاد حياة وهذا هو قائلهم :
تأخرت أستبقى الحياة فلم أجـــــــــد *** لنفسي حياة مثل أن أتقدمــــــــــــــا
فلسنا على العقاب تدمى كلو منــــــا *** ولكن على أقدامنا تقطر الدمــــــــــــا
وآخر يقول :
ولست أبالي حين أقتل مسلمـــــــــا *** على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الاله وأن يشـــــــــاء *** يبارك على أشلاء شلو ممـــــــــزع
وهذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( والذي نفس محمد بيده لوددت أغزوا في سبيل الله فأقتل ثم أحيا ثم أقتل فأحيا ثم أقتل ) .
3 – ذكر اللــــــــــه :-
ثم يأتي ذكر الله معينا على الثبات عند اللقاء فالمرء ينظر إلى المنايا تتخطف من حوله ويذكر زوجه ويذكر أولاده ويذكر الترقى والرفعة التي يؤمل فيها من دنياه ما الذي يجعله يتغلب على كل ذلك وينحيه جانبا بل ولا يلتفت إليه أنه ذكر الله الذي سوف يبدله زوجا خير من زوجه ودارا خيرا من داره بل وهو الذي سيعوضه خيرا من كل ما في الدنيا وزخرفها وهو الذي سيتولى أولاده من بعده فلا يضيع الله من وراءه لانه باع نفسه لله وتاجر مع الله وأذن فلن يضيعه الله فيهم ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون ولئن متم أو قتلتم لئلا الله تحشرون ) .
والله الذي دعاهم للشهادة فلبوا قد طمأنهم على اولادهم من بعدهم حين دعا إلى مراعاة اليتامى وحفظ حقوقهم وصيانة حياتهم واعدادهم أعدادا صالحا تماما كما يفعل الأب وأكثر ( وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا ).
ثم هم بعد وقبل ذلك قد نبههم ربهم على مكانتهم أن قتلوا في سبيله حين قال ( قل ءأونبئكم بخير من ذلكم للذين أتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الانهار ) وفي قوله ( والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم ) وفي قوله سبحانه ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ) .
5 – طاعة القيادة أو ولي الأمر : -
ويتبع طاعة الله ورسوله طاعة القائد أو ولي الأمر في غير معصية وتاريخ القيادة والتسليم لها في أوامرها لدى الجند المسلمين مضرب الأمثال والتي نتج عنها أنتصار أذهل أعدائهم فهم كما قال عليه الصلاة والسلام تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم فلقد كان القادة خير رعاة لجندهم وخير رفقاء بهم وكانوا يشاورون أهل الرأي عند الملمات والأزمات والشورى دستور الأسلام وقاعدة نظام الحكم في دولة الأسلام والقائد كان واحدا من الرعية غير أنه كان أكثرهم مسؤلية عند الله فلم يترفع على جنده ولم يستأثر عليهم بشيء , فكيف لا يطاع وكيف يعصى له أمر ؟.
6 – الاتحاد والنهي عن التنازع والفرقة : -
ولقد أعتبر الأسلام الفرد جزء لا ينفصم من كيان الأمة وعضوا موصولا بجسدها لا ينفك عنها كما أعتبر الأسلام إتلاف القلوب والمشاعر وأتحاد النيات والمناهج من أوضح تعاليم الاسلام ولا ريب أن توحيد الصفوف وأجتماع الكلمة هما الدعامة الوطيدة لبقاء الأمة ودوام دولتها ونجاح رسالتها ولئن كانت كلمة التوحيد باب الاسلام فأن التوحيد الكلمة سر البقاء في الاسلام والابقاء عليه والضمان الاول للقاء الله بوجه مشرق .
وأن العمل الواحد ليختلف بحقيقته وصورته أختلافا كبيرا حين يؤديه الانسان وحيدا أو حين يؤدي مع الجماعة ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد الاحتراس والتحذير من عواقب الاختصام والفرقة والتنازع وكان في حله وترحاله يوصي بالتجمع والاتحاد في السلم وفي الحرب فعن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الشيطان يهم بالواحد والاثنين فإذا كانوا ثلاثة لم يهم بهم ) وقد كان الناس في سفرهم إذا نزلوا منزلا تفرقوا في الشعاب والاودية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أن تفرقكم هذا من الشيطان ) فلم ينزلوا بعد منزلا إلا أنضم بعضهم إلى بعض حتى قال ( لو بسط عليهم ثوب لعمهم ) , وذلك أثر أنتزاع المشاعر وأجتماع القلوب وتبادل الحب وأنسجام الصفوف .
أن الناس أن لم يجمعهم الحق شعبهم الباطل , وغذا لم توحدهم عبادة الرحمن مزقتهم عبادة الشيطان وإذا لم يستهوهم نعيم الآخرة تخاصموا على متاع الدنيا ومن هنا كان التنازع والتخاصم من شيم وخصائص الجاهلية المظلمة ودين من لا إيمان له .
ان الشقاق يضعف الأمم القوية ويميت الامم الضعيفة ومن هنا فقد جعل الاسلام أول نصيحة لهم بعد أنتصارهم في غزوة بدر حينما أختلفوا على الغنائم – أن يوحدوا صفوفهم ويجمعوا أمرهم ( فأتقوا الله واصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله أن كنتم مؤمنين ) ثم أفهمهم أن الاتحاد في العمل هو الطريق النصر المحقق والقوة المرهوبة ( وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) .
وأعداء الامة يدبرون لها ويكيدون لها بمكر الليل والنهار وهم يحرصون على تفريق كلمتها وتشتيت شملها وتمزيق وحدتها وتاريخ الأمة يؤكد أن الأنتصار كان حليفا لها أيام أن كانت يدا واحدة ويبرهن أن عدوها لم ينل منها الا بعد أن فرق جمعها وأختلفت فيما بينها ولقد حذر القرآن المسلمين من عاقبة الفرقة والتنازع فقال ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا وأختلفوا من بعد ما جاءهم البينات واولئك لهم عذاب عظيم ) ويقول لهم ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) والامثلة على ذلك حية في جميع المعارك التي خاضها المسلمون ففي أحد حينما أختلفوا وتنازعوا وخالفوا امر الرسول لحقت بهم لطمة موجعة أفقدتهم سبعين .
(منقول)