منى سلمان
munasalman2@yahoo.com قرأت قبل سنوات كتاب للسيدة (جيهان السادات)، لا أذكر اسمه ولكنه كان عبارة عن مذكرات، أستعرضت فيه مسيرة حياتها منذ نشأتها وخصصت معظمه لسنوات حياتها الزوجية مع (السادات) .. علقت في ذاكرتي منه جزئية حكت فيها عن أيام الفقر والحياة المتواضعة التي عاشتها معه عندما كان ضابطا صغيرا قبل الثورة، فقد ذكرت أنها لم تكن تسمح لقلة الأمكانات وقصر ذات اليد، أن يمنعاها من الاجتهاد في صنع جو عامر بالرومانسية والجمال لزوجها بعد عودته من العمل، ورغم أن غداءهما كان يتكون من (طبق) طعام واحد، إلا أنها كانت تزين الصينية بزهور تقطفها من حديقة مجاورة، وتجتهد في العناية بزينة وجهها وتضبط (القشرة)، ثم تضبط الراديو على محطة تبث موسيقى هادئة أثناء الأكل .. كل ذلك الاجتهاد لم يكن يكلفها (مليم احمر)، ولكنه يلقي على مجلسهما ظلالا من الراحة والسعادة كان لها أبلغ الأثر على استقرارهما النفسي والعاطفي.
قد تكون السيدة الفضلى (جيهان) بالغت بعض الشيء في محاولة تلميع صورتها للناس و(كتّرت المحلبية)، ولكن ذلك لا يمنع من الاستدلال بتلك الجزئية من سيرتها، على سهولة أن نصنع من (فسيخ) ضيق الحال، (شربات) من راحة البال والاستمتاع بالحياة عبر المتاح من الامكانات ..
تذكرت ذلك الكتاب بعد أن قمت لأول مرة، بزيارة مدينة أم درمان الجديدة (أم بدة) ، حيث ذهبت للعزاء في وفاة ابن واحدة من قريباتي لأبي، والذي ساقته المنية مبكيا على شبابه ليركب في احد النعوش الطائرة على طريق الموت الذي اذاق مر الفقد لنفر عزيز من أهلنا في الجزيرة .. وجعلتنا نسترجع نبوءة شيخنا (ود تكتوك) التي قال فيها:
آخر الزمان .. الأجل تحت العجل !
استرجعت اجتهادات السيدة (جيهان)، عندما عبرت بنا السيارة شوارع وأحياء (أم بدة) ثم عرّجنا بعدها في (غشوة) على (حي العرب) .. راعني أن القاسم المشترك بين هذه الشوارع والاحياء، ليس الفقر وبؤس الحال فذلك هو القاسم المشترك الأعظم لغالبية الأحياء في القرى والفرقان داخل السودان، ولكن ما أحزنني بصدق هو كمية الأوساخ والأتربة والكراكيب المركونة بجوار البيوت وتمددها حتى الشوارع، والتي بدورها إمتلأت بالحفر والعالي واطي وما بينهما كُرْضُمّة، والغبار الذي غطى الحيطان والأبواب وطال كل شيء حتى وجوه أهل المكان التي ارهقتها (قترة) الظروف الصعبة .. فقد حدثت بت أم روحي بفكرة (بت سمبرية):
ماذا سيحدث لو ان كل واحد من الرجال والشباب والصبيان من سكان أحيائنا، حمل (المقشاشة) الواحدة دي وخرج لواجهة منزله، وكنس بها آثار عدوان أكياس النايلون والأوساخ، وتخلص من الكراكيب وهكر وهياكل العربات القديمة وبقايا الدراب والطوب، ثم (قال كده ومسك الدرب ود الما مننا) .. وأمسك بـ طورية أو أجنة أوعتلة، وهوى بها ضربا على ظهور العالي والكراضم، حتى سوّاها وساوى بها الواطي والحفر، ثم قال كدي -مرة تاني - ومسك الخرطوش أو الجردل ورش التراب حتى تثبت الأرض وتجود بالطراوة .. وكمان- بالله - ما ضرّه لو جاب ليهو شتلة وزرعها قدام البيت .. أهو بكرة تكبر وتكون خير ملاذ له عند انقطاع الكهرباء أو نزوله المعاش ..
منذ معاودتي لممارسة رياضة المشي الصباحي مجبرة اختكم لا بطلة، وأنا أتخيل نفسي يوميا أثناء نزولي من (قوز) وطلوعي في (دبة)، وخروجي من الحفر والعالي واطي في شوارع حلتنا، وجوارب الغبار التي تلبسها اقدامي جراء خوضي في تلال الرمال المكومة على جوانب الطرقات .. منذ ذلك الوقت أسرح مع نفسي واتخيلني أحمل عصاة الساحرة (سونيا) وأحوّل بها قبح شوارعنا إلى جمال يسر العين ولا يكلف مليماً، ثم قررت ان أكون أكثر عملية وأدعو لنفير اصحاح البيئة خاصة والعيد على الابواب .. أها رايكم شنو مش كلام حلو زي البسبوسة !!
غايتو لو ما نفع معاكم، ساقترح على ناس الجبايات، فرض (رسوم تعديات وكرور)، لكل من تداهمه الكشة وأمام بيته (عالي واطي) أو (كر جداد) وللا حتى (زارب) ليهو حديقة يقتطع بها تلاتة أمتار من شارع العام .. شوف ديل بالله !!
(منقول)